نيوتن
ولد السير إسحاق
نيوتن( 1642- 1727 ) يوم عيد
الميلاد بعد وفاة والده بثلاثة أشهر وقد سمي باسم والده الذي كان معاوناً زراعياً
للسيد حنا أيكسوف في وولثورب في
مقاطعة لنكن شر ومع أن المولود كان هزيلاً عليل الصحة إلا أنه نجح في أن يظل على
قيد الحياة(بعد مشيئة الله ) وأن
ينشأ قوياً أن لم يتمتع قط بصحة ممتازة ولم يعش إسحاق طفولة سعيدة لأن والدته
تزوجت قبل أن يبلغ السنتين من عمره من قس بروتسي ثري يدعى بر نابا سميث فتركت
إسحاق في رعاية جدته وانتقلت إلى القرية المجاورة التي كان يعيش فيها زوجها لكي تساعده في تربية أطفاله الثلاثة
وهكذا ظل إسحاق منفصلاً عن والدته قرابة تسع سنوات إلى أن توفي زوج أمه عام
1653وقد أثر غيابها على الأرجح تأثيراً حاداً في نشأة إسحاق وفي شخصيته بل ولا شك
أنه كون موقفه من النساء عامة لذلك لم يكن له معهن شأن يذكر في حياته كلها ولم
يتزوج أبداً وفيما عدا قصة حب عابرة في شبابه كان اهتمامه منصباً بكليته على عمله
وإلى مدى أقل على منتقد يه إذ (إن الشعور الحاد بعدم الأمان الذي جعل القلق يسيطر
عليه لدى نشره أعماله والعنف اللامعقول الذي كان يدافع به عنها لازماه طيلة حياته
كلها بل ويمكن تتبع آثارهما حتى سنواته الأولى )
وليس في طفولة نيوتن المبكرة ما يدل دلالة واضحة على قدراته العقلية فقد كان طفلاً محباً للاستطلاع وتلميذاً متوسطاً في المدرسة الثانوية في غرانتام وكان ينفق من الوقت في أحلام اليقظة في قاعة الدرس أكثر مما كان بفضل البقاء وحيداً مع نفسه أكثر من مصاحبة الآخرين ونادراً ما كان يمارس الألعاب الرياضية مع الأولاد الآخرين إذ كان مزاجياً متوتر الأعصاب جداً ولكنه كان يخلد إلى تفحص أفكاره وقد أظهر فعلاً بعض البراعة الميكانيكية (فصنع أدوات آلية من تصميمه مثل طائرة ورقية و مزولة وساعة مائية و هلم جرا ) وبعد موت زوج أمه دعته والدته ليدير الملكية الكبيرة التي آلت إليها فلم تدوم هذه المهمة طويلاً إذ أثبت نيوتن عند إدارته لهذه المزرعة أنه لا يصلح لذلك إطلاقاً وأنه غير قادر على التلاؤم مع العمال المزارعين فضلاً عن اهتمامه بالأمور الزراعية كان ضعيفاً وكان من محاسن الصدف أن خاله أقنع والدته بضرورة إعادة نيوتن إلى المدرسة في غرانتام لكي يدرس فيها اللاتينية والحساب ويهيئ نفسه لصعوبات ا لتعليم الجامعي وكانت نتائج أعمال نيوتن في مواضيع دراسته كافية لقبوله في كلية ترينيتي في كامبردج حيث حصل على شهادة القبول في عام 1661 أي عند بلغ الثامنة عشر من عمره وكانت جامعة كمبردج في ذلك الوقت مثل غيرها من الجامعات لا تزال غارقة في تعاليم أرسطو ومذهبه على الرغم من أن انتساب نيوتن أليها جاء بعد أن كان كوبرنيق و كبلر وغاليليه قد أسهموا إسهاماً عظيماً في العلم الحديث لذلك قلما كان يدور النقاش عن نظام ;,كوبرينق القائل بمركزية الشمس أو عن ميكانيكا غاليله وكان على نيوتن وزملائه في الدراسة أن يتلوا بدلاً من ذلك دروساً عن أعمال أرسطو وأفلاطون وعن النظرة الشائعة آنذاك وهي أن الأرض مركز الكون على الرغم من تزايد اتضاح عدم واقعيتها غير أن نيوتن كان قد اجتذبته أعمال فلاسفة الفيزياء من أمثال رينيه ديكارت الذي ( كان قد بدأ بصياغة مفهوم جديد عن الطبيعة يصورها شيئاً معقداً غير شخصي وآلة عاطلة ) بل إن تأثير ديكارت في نيوتن كان هائلاً لأن ديكارت بخلاف أرسطو (كان ينظر إلى الواقع الفيزيائي على أنه ليس سوى جسيمات مادية متحركة باستمرار) , (ويعتقد بأن جميع الظواهر الطبيعية تنشأ عن ت أثير هذه الجسيمات بعضاً في بعض تأثيراً آلياً ) هذا فضلاً عن أن نيوتن وقع تحت تأثير الرياضي إسحاق بارو الذي كان أول من تعرف ألمعية نيوتن وشجعه على اهتمامه بالرياضيات كما لفت انتباهه إلى دراسة البصريات فعمل نيوتن في سنتيه الأخيرتين في كمبردج على تقوية مهاراته الرياضية وظل يتابع في الوقت نفسه دراسة أعمال علماء النهضة وفلاسفتها كما بدأ أيضاً بصياغة مفاهيمه التي غدت فيما بعد أسس إسهاماته المنقطعة النظير في العلم غير أن الجهود الكبيرة التي بذلها في دراسته الخاصة جعلت دراسته الأكاديمية المطالب بها غير متميزة لذلك 0عندما نال نيوتن شهادة البكالوريوس في نيسان /أبريل عام 1665 مرت أعظم موهبة في تاريخ الجامعة التعليمي بدون أن يأبه لها أحد لأن نيوتن (كان قد بحث في الفلسفة الجديدة والرياضيات الحديثة حتى لكأنه صانعه في حين قصر تقدمه في دراسات على مذكرته الجامعية وفي عام 1665 تفشى وباء الطاعون في لندن مما دفع نيوتن إلى مغادرته كمبردج والعودة إلى بيته في وولثورب حيث قضى العامين التاليين متأملاً الأفكار التي بدأ اهتمامه بها حين كان في الجامعة عن المكان والزمان و الحركة (ومن المسلم به أنه كان حين عودته إلى كمبردج عام 1667 قد أرسى نهائياً أسس أعماله في المجلات الكبيرة الثلاثة التي اقترن بها اسمه إلى الأبد وهي حساب التفاضل والتكامل وطبيعة الضوء الأبيض والتثاقل (حقل الثقالة) الكوني وما يترتب عليه من أمور كما اكتشف أيضاً نظرية ذات الحدين (ألحدا نية)بل إنه (أثناء هذه المدة نفسها كان قد تفحص عناصر الحركة الدائرية واستنبط من تطبيق تحليله على القمر و الكواكب علاقة التربيع العكسي التي تقول إن القوة المركزية (الموجهة وفق نصف القطر المتجهي )التي تؤثر في الكوكب تتناقص متناسبة عكساً مع بعده عن الشمس ـــ أي تلك العلاقة التي غدت بعد ذلك قانوناً حاسماً للتثاقل الكوني ) ففي هذين العامين الرائعين اللذين قضاهما نيوتن في وولثورب وأوصل أعمال غاليله وكبلر إلى استنتاجاتهما المنطقية وصاغ القوانين الفيزيائية اللازمة لتفسير ديناميكية كون ميكانيكي فطغت إنجازاته العلمية على علم القرنين التاليين وعلى فلسفتهما حتى ليصعب على المرء أن يفهم كيف أمكن لشاب ناشئ في سنه أن ينجز هذه الأعمال الفذة في مدة قصيرة كهذه بيد أن مفتاح الإجابة عن ذلك كامن في أن ألمعية نيوتن تقوم على قدرته التي لا تجارى على التركيز. كانت موهبته التي تميز بها هي قدرته على إبقاء المشكلة الفعلية المحضة حية في ذهنه إلى أن تتضح له حقيقتها بلا لبس أو غموض ويخيل لي أن تفوقه يرجع إلى أن قوى الحدس و البصيرة لديه لم يوهب بمثل شدتها وجلدها إنسان على الإطلاق فكل من فكر يوماً ما تفكيراً علمياً محضاً أو فلسفياً يعرف كيف يمكن للمرء أن يبقى مشكلة ما في ذهنه لحظة من الزمن وكيف يستجمع كل قوى التركيز لديه لكي ينفذ إلى حقيقتها وكيف أن هذه المشكلة ستتلاشى وتفلت وسيجد أن ما هو بصدد تقديره مجرد هباء وإني لأعتقد أن نيوتن كان قادراً على إبقاء مشكلة ما في ذهنه ساعات بل أياماً وأسابيع إلى أن تسلم له سرها المكنون وأنه كان باستطاعته عندئذ وهو الذي كان يتقن الرياضيات إتقاناً فائقاً أن يعطيها مظهرها المنطقي اللائق بها قدر ما يشاء لكي تصبح صالحة للعرض غير أن تفوقه الحقيقي الخارق كان في حدسه وبصيرته ـــإذ يقول دي مورغان (كان موفقاً جداً في تخميناته ) (حتى لقد كان يبدو أنه يعرف أكثر مما يمكن أن يكون قادراً على توفير وسائل برهانـه ) كانت نظرية نيوتن في الثقالة تعتمد على نظريته القائلة (أن معدل سرعة السقوط تتناسب مع شدة قوة التثاقل وأن هذه القوة تتناقص تبعاً لمربع المسافة عن مركز الأرض ) إذ قادته مشاهدته سقوط تفاحة من شجرة على الأرض عند إقامته في وولثورب إلى إن يستنتج أن الأرض تجذب التفاحة باستمرار حتى حين تكون على الأرض وهذه الفكرة بأن الأرض تجذب الأشياء القريبة من سطحها لم تكن جديدة إلا أن نيوتن كان أول من قال بأن هذه القوة التي تسبب سقوط التفاحة على الأرض هي نفسها القوة التي تبقي القمر في مداره حول الأرض وتبقي الأرض في مدارها حول الشمس ولكن ما أوضحه قانون التربيع العكسي رياضياً هو كيف أن قوى التجاذب بين جسمين تتوقف على كتلتيهما وعلى المسافة بينهما كما بين هذا القانون أيضاً النتيجة التي توصل ليها نيوتن وهي أن قوة التثاقل ارضي لا تتميز بأي شيء خاص بها وإنما يمكن أن نجدها ناشئة عن جميع الأجسام في العلم ولم يكتف نيوتن بأن وحد ميكانيك كبلر وغاليليو وأكمله بل بين أيضاً أن حركات العالم الديناميكية أن توصف بعلاقات رياضية أساسية تصلح في أي مكان في هذا الكون حتى لقد أعطت فائدة الرياضيات المؤكدة هذه الفلسفة الطبيعية (كما كانت تسمى الفيزياء آنذاك ) أساساً نظرية قائماً بذاته لم يكن لها مثل من قبل قط .وكان ثاني إنجازات نيوتن
العظيمة تجاربه في ضوء والنظرية الجسيمية التي كونها عنه فحين كان في وولثورب قام بتجارب على الموشور ولاحظ أنه عندما يمر شعاع ضوئي عبر موشور ( كان ينكسر ولكنه يتجزأ إلى أجزاء تنكسر بانحرافات مختلفة وأن الحزمة التي تسقط على الحاجز ليست مجرد بقعة متسعة من الضوء وإنما هي شريط ذو ألوان متتابعة مرتبة بحسب ترتيب ألوان قوس قزح المألوفة الأحمر فالبرتقالي ثم الأصفر فالأخضر فالأزرق ثم البنفسجي ) وحين كان يمر الضوء عبر موشور ثانٍ (مقلوب بالنسبة للأول) كانت الألوان تعود فتتحدد لتكون حزمة بيضاء فساقته هذه التجارب إلى استنتاج أن الضوء الأبيض يتكون من جميع ألوان القوس قزح وأرشده ثبات المركبات اللونية الظاهري للضوء وإنما للضوء الأبيض إلى تكوين نظرية جسيميه للضوء عبر إذ (اعتقد أن الأشعة الأفرادية (وهي برأيه جسيمات من قدر معين) تثير عندما تسقط على شبكة العين احساسات بألوان إفرادية ) ومع أن زملائه قبلوا بعد ذلك بوجه عام نظريته أن الضوء يتألف من جسيمات غاية في الصغر إلا أن عدد من المعارضين مثل كريستان هو ينغر كانوا يحاجون بأن الضوء يتألف من أمواج غير أن نيوتن كان يرد على ذلك بأن الضوء لو كان تموجياً لكان يجب أن ينعطف (يتعرج) عند الظلال على نحو ما ينعطف الصوت حول الحواف ويصبح مسموعاً وكان نيوتن على حق في فكرته هذه ولم يمض سوى سنوات حتى أثبتت تجارب أكثر دقة بأن الضوء ينعطف فعلاًًًًًًًًًًًًًً وأنه لذلك يملك خواص تموجية ولكن النظرية الجسيمية أعيدت لها الحياة مع ذلك بمعنى ما في بداية القرن العشرين حين اقترح ألبرت أينشتاين أن الضوء يتألف من جسيمات منفصلة تدعى اليوم ( فوتونات ) وعلى كل حال فإن الحوار في هذا قد لا ينتهي أبداً إلى نتيجة حاسمة لأن الضوء يظهر كلا
الطبيعيتين
الجسيمية والتموجة .وبعد أن أعيد
وقد عانى نيوتن عام 1692 من
انهيار عصبي ربما كان ناشئاً عن الإجهاد ليس إلا ولكنه أجبره على ترك العمل ما
يقارب من عامين على الرغم
من أنه شفي من المرض تماماً .ومع ذلك فقد توج بحوثه العلمية بخاتمة بارزة ،إذ أمضى
بعض الوقت خلال العقدين التاليين وهو يجمع أدلة وقرائن عن نظريته في الضوء التي نشرت قبل أن تظهر
بالعنوان المشهور بالبصريات عام 1704 بعقدين . وكان السبب في تأخر نشر الكتاب ،
هو أن نيوتن كان يرفض نشره قبل وفاة هوك عام 1703 . وفي هذا
العام انتخب نيوتن رئيساً للجمعية الملكية (خلفاً لهوك) وقد ظل يشغل
هذا المنصب حتى وفاته. كما انتخب أيضاً عضواً في البرلمان عام 1689 ولكنه لم يطلب
الكلام طيلة السنوات العدة التي قضاها في عضويته إلا مرة واحدة عندما طلب إغلاق
نافذة كانت مفتوحة .
وفي عام 1696 عُين نيوتن مراقباً لدار سك النقود ، وبعد
ذلك بثلاث سنوات تسلم منصب الرئيس الأعلى للدار ومع نيوتن ظل محافظاً على انتسابه
المهني إلى الجامعة حتى عام 1701
إلا أن تعيينه في الدار أنهى
عملياً
مهامه الأكاديمية نظراً لانتقاله إلى لندن لتسلم واجباته الرسمية .ولقد حاول بعض
المعلقين أن يثبتوا هذا التغيير في عمل نيوتن حرم العالم العلمي أكبر شخصياته شموخاً لمدة تقرب من
ربع قرن من حياته ولكن نيوتن نفسه كما يبدو كان لديه الاستعداد لأن يعيش
خارج الجامعة كما كان راغباً في أن يتمتع بشهرته في دوامة لندن الاجتماعية ثم أن
هذا التعيين لم يكن مجرد شرف رمزي
لأن نيوتن نفسه بذل مجهوداً كبيراً لإنجاز مشروع
السك وقد رُفع نيوتن أيضا إلى رتبة
فارس من قبل الملكة آن في عام 1705
وكان هذا شرفا لم يُمنحه عالم من قبل قط
وكان يحظى بدخل ثابت وقد استمر ذلك إلى أن توفي ولم يحظى قبله ولا بعده
شرفا قوميا كالذي حظي به نيوتن